التقينا عند قفص القرود كما اتفقنا، كانت القرود كلها تقف علي حافة السور وتقذف السوداني لبرما الذي بدا سعيدًا وكلما استقرت حبة سوداني في فمه كان يرفع يده للقرود قائلاً: ده واجب علينا، طلبت منه أن نجلس في الظل قليلاً، تحت الشجرة الكبيرة استقبلتنا الطيور بوابل من مخلفاتها اللزجة، فلم يكن هناك مفر من التوجه لبيت الزواحف.
قلت لبرما: هل تابعت قصة ضبط المستشفي الموجود في أسيوط الذي يقوم صاحبه سرًا بإجراء عمليات تحويل الجنس؟، فقال لي: أنا لا أصدق هذه القصة، فالصعيد طول عمره مصنع الرجال ولم نسمع يومًا عن وجود خط إنتاج للجنس الثالث.. من المؤكد أن هذا الطبيب دخيل علي الصعيد ومتأكد أنه بعد انتهاء القضية لن يجرؤ علي العودة إلي الصعيد مرة أخري لأنه يعرف جيدًا أنه إذا عاد فإن الصعايدة هيعملوا له العملية نفسها أدبًا ليه، سألته: في رأيك ما الذي يدفع رجلاً لأن يتحول لأنثي؟، فقال لي: لأن المرأة تحصل علي مميزات في هذا البلد لا يحصل عليها الرجل، عندك مثلاً الكوارث وهي يومية في بلدنا من حرائق إلي انهيارات إلي غرق عبَّارات.. دائمًا النساء هن أول من يتم إنقاذهن، عندك الرجل لو سايق عربية وخبط بيها واحد غالبًا بياخد علقة للذكري، أما لو كانت العربية سايقاها ست هتلاقي الناس بتتعامل معاها كأنها ضحية زي اللي خبطته، المرأة تستطيع أن تخلع الرجل لكن الرجل لا يستطيع أن يخلع منها، المرأة مجرد إصبع روج بلون جديد قادر علي أن يخرجها من الاكتئاب لكن الرجل إذا استعمل الروج قد يتعرض لما قد يدخله في الاكتئاب حتي نهاية عمره، تجلس المرأة في بيتها معززة مكرمة ويمر عليها العرسان علشان يخطبوها وتفضل ترفض براحتها لحد ما توافق علي العريس اللي يعجبها، أما الرجل بيقعد يلف علي البنات لحد ما يلاقي واحدة توافق عليه، وعند الزواج غالبًا أوضة النوم بتكون علي العروسة يعني المرأة هي التي تختار النومة اللي تعجبها، هناك مجلس قومي للمرأة وليس هناك ولو حتي جروب خيري علي الفيس بوك للذكور، يا عم بلا نيلة.
نظر لي برما بتركيز ثم لفت نظري لوجود جزء من مخلفات الطيور علي قميصي فأمسك بتذكرة الدخول للجنينة وثناها عدة مرات لإزالة البقعة بها، انزعجت وخطفت التذكرة من برما قائلاً: أنت اتجننت؟ حد يرمي تذكرة في الأيام السودا اللي عايشنها دي ؟، لابد أن تحتفظ بأية فواتير أو تذاكر علشان الضرايب.. أنت رجل كبير وفاهم، فقال لي: بصراحة أنا مش مقتنع بموضوع الضرايب ولن أمنح الحكومة أموالي علشان تستخدمها في دفع أجور المخبرين اللي ممكن يطفحوني باكيتة البانجو (مع إني ماباشربوش) أو في تمويل رصف طريق مارينا عشان الباشاوات يروحوا يصيفوا وماحدش فكر يرصف طريق الصعيد الذي يموت عليه العشرات يوميا، أو في دفع راتب هيئة النظافة التي حولت البلد إلي مقلب قمامة أو في دفع فاتورة الكهرباء لأعمدة الإنارة المضاءة صباحًا وبيطفوها بالليل، قاطعته قائلاً: ليس من حقك يا برما أن تطرمخ علي حق البلد حتي لو كان لا يجيد إدارة ما يحصله من الضرائب، قال لي: لأ من حقي.. شكلك ما بتعرفش قانون، قلت له: لأ.. شكلك أنت ماتعرفش وائل الإبراشي.
قلت له : طيب غيَّر الموضوع علشان الجنينة مليانة شرطة، قال برما: لعلمك فيه ضباط كتير أبطال.. شفت الضابط اللي كان في الميكروباص وحاول ينقذ البنت من الاغتصاب والمجرمين بهدلوه ؟، قلت له: بس ده واجبه، فقال لي: أنا لا أراه بطلاً لأنه حاول أن ينقذ الفتاة..أراه بطلاً لأنه كان راكب ميكروباص أصلاً.
قلت له: معاك حق، فقال: الرجل راكب ميكروباص مع إن المشهد المألوف في شوارعنا أن تجد سيارة بوكس يقودها مجند وفي المقعد الخلفي امرأة سمينة محجبة وإلي جوارها طفل غلس بخدود مطلع راسه من الشباك..عيلة الباشا رايحة النادي بالبوكس يا سيدي.
تلفت حولي ثم سكت تمامًا وسيطر الصمت علي برما وأخذ يتأمل التمساح وحركته البطيئة، قال: هل تعرف أن التمساح هو الكائن الوحيد الذي يحرك فكه العلوي عندما يأكل.. بقية الكائنات تحرك الفك السفلي، فتحت فمي لأتأكد مما يقوله برما فوجدته صحيحًا، سألته هل يمكن اعتبارها ميزة؟، فقال :غالبًا هي عاهة.. لأن كل ذي عاهة جبار، سألته: هل يوجد جبابرة بدون عاهات ؟، فقال لي: الستات طبعًا.